سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾
القصص القرآنية سُنَنٌ إلهية
حيثما يذكر القرآن الكريم الأنبياء وأممهم وأعداءهم، فإنه على الرغم من أن الظاهر قد يوحي بأنها واقعة تاريخية فحسب، إلا أنه في الحقيقة يبيّن قاعدة كلية، وهي أنه كلما تكررت نفس الظروف، كانت النتيجة ذاتها حتمية. لذلك، فإن تحليل السنن التي قامت عليها تلك الواقعة يكتسب أهمية بالغة. فكل سُنَّةٍ يتم إدراكها يمكن أن يكون لها مليارات المصاديق، ويمكن لمليارات الوقائع أن تحدث وفقًا لها.
من السنن الإلهية القطعية قوله تعالى: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (سوره ابراهیم، آیه ۷)؛ أي إن شكرتم أزدكم. وعليه، إذا لم يجد الإنسان زيادة في حياته، يتيقن أن شكره لم يتحقق كما ينبغي. أو قوله تعالى: «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ» (سوره محمد، آیه ۷)؛ أي إن نصرتم الله، نصركم نصرًا مؤزرًا. أو قوله تعالى: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» (سوره المجادلة، آیه ۲۱)، فالسنة الإلهية تقضي بأن الغلبة لله ولرسله. والآية هنا ترتبط ارتباطًا وثيقًا باتباع الرسول؛ فإذا سار الناس مع الرسول الإلهي واتبعوا رسالته، فإنهم حتمًا سيغلبون. وإذا ما وقعت هزيمة في معركة كمعركة أُحد، فذلك يكشف أن أمر الرسول لم يُتَّبَع في تلك الواقعة.
من السنن المهمة التي تحكم العديد من السنن الإلهية الأخرى هي “سُنَّة التمحيص”. وهذه السنة تعني أن إيمان المؤمنين يشتد ويصفو من جهة، ومن جهة أخرى، يزداد خبث الكافرين وكفرهم ويصبح أكثر وضوحًا وجلاءً. وكلما اقتربنا من آخر الزمان، تزداد هذه السنة ظهورًا، وتشتد حدة المواجهة بين الحق والباطل.
الرؤية التوحيدية من خلال فهم السنن الإلهية
السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل. (وإن كانت هناك إمكانية لبروز سُنّة أعلى، وفي هذه الحالة، تتحقق السُنّة الأعلى مقامًا). إن معرفة هذه السنن الإلهية تمنح الإنسان بصيرة تمكّنه من استشراف المستقبل، فيعرف كيف يصل إلى النصر. وفي هذا الموضع أيضًا، لو دخل المشركون في قتال، لكانت الغلبة للمؤمنين، ولكن الله شاء أن تتحقق الغلبة دون قتال.
إن السنن الإلهية مترابطة في شبكة متكاملة؛ ولهذا، تُعتبر السنن الإلهية مظهرًا جليًا للنظرة التوحيدية للكون. أي أن الإنسان الذي كان ينظر إلى العالم نظرة تجزيئية ويرى مكوناته متناثرة ومفككة، يصبح، من خلال فهمه لهذه السنن، قادرًا على رؤية الكون بأسره خاضعًا لقواعد متكاملة وتوحيدية، وهذا ما يقوّي لديه عقيدة “توحيد الأفعال”.