حركة الربيون

(رواية إلهية عن الحرب)

المعركة في الميدان الصعب هي مقدّمة فقط؛ فالحرب الحقيقية تدور حول المعتقدات والروايات.

أن نستطيع، بناءً على آيات القرآن الكريم، تحديد المحاور الرئيسية لساحة المعركة، وتحضيرها وفقًا للجمهور المستهدف، وتعريف عمليات ميدانية بناءً عليها، فهذا هو أولويتنا الأولى.

الآثار المباشرة للبيعة الصادقة

وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ کَثِیرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَکُمْ هَذِهِ وَکَفَّ أَیْدِیَ النَّاسِ عَنْکُمْ وَلِتَکُونَ آیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ وَیَهْدِیَکُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِیمًا ﴿٢٠﴾

البيعة و الغنائم

بعد البيعة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الظروف الصعبة، وُعِدَ المؤمنون بغنائم وانتصارات متعددة. ووعد الله لا يُخلف.

واللافت أن المسلمين لم يكونوا قد وصلوا إلى المدينة بعد صلح الحديبية حتى جاءهم الوعد بغنائم كثيرة، وأن الله قد عجّل لهم إحدى هذه الغنائم؛ فالخطاب لم يأت بصيغة المستقبل، بل بصيغة الماضي.”فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ” أي أن هذه الغنيمة قد تحققت لهم بينما لم يصلوا المدينة بعد، مع العلم أن واقعة فتح خيبر حدثت بعد عشرين يومًا من وصولهم.

المغزى هو أنه عندما تتحقق طاعة القيادة، تبدأ الانتصارات بالتحقق من تلك اللحظة فصاعدًا وتُسجَّل في الميزان الإلهي.

البيعة و الحماية الإلهية

بعد أن تحرك المسلمون نحو خيبر، طمعت بعض القبائل المجاورة للمدينة في الهجوم عليها، مستغلين غياب جيش الإسلام، بهدف ضرب المسلمين من الخلف. لكن القرآن يقول: «كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ». فإذا كنتم تسعون لطاعة الله، فإن الله يلقي الرعب حتى في قلوب الأعداء الذين يريدون استغلال غيابكم أو غفلتكم، كما قال تعالى: «وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ»، وهذا الخوف يجعلهم يتراجعون عن مخططهم. لذلك، يجب ألا نخاف من ضجيج الأعداء وجلبتهم.

السير في كنف النبي

يقول تعالى: «وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ». فهذه الغنائم الكثيرة، وكذلك إحباط هجوم القبائل التي أرادت مهاجمتهم من الخلف، كانتا آيتين عظيمتين للمؤمنين، ليعلموا أن لاتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل هذه الثمرات المباركة.

ثم يضيف تعالى: «وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا». والصراط المستقيم هو الطريق الذي يحمي الإنسان من أذى العدو، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو نفسه على هذا الصراط، كما قال له ربه: «إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». ولهذا، فإن السير في هذا الدرب يسرّع من حركة الإنسان نحو الكمال.

إظهار القوة

عندما نزلت هذه الآية، أدرك يهود خيبر أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقصدهم، فازدادوا استعدادًا وتأهبًا. ولكن مع ذلك، كتب الله النصر للمؤمنين على الرغم من علم العدو المسبق.

لقد أراد الله لهذا الفتح أن يتحقق بقوة واقتدار، حتى مع معرفة الأعداء واستعدادهم، ليُظهر عظمة هذا النصر. ويتجلى هذا الأمر بوضوح في واقعة خيبر؛ حيث حمل الراية في البداية صحابيان أو ثلاثة، ولكنهم عادوا عاجزين خائبين، ولم يقدروا على فتح الحصن. حتى قال النبي (صلى الله عليه وآله): «لأُعطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ». فأخذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الراية، واقتلع باب الحصن، وفتح بذلك خيبر للمؤمنين.