«وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» ﴿١٤﴾
الغفران في عين القوة
هذه الآية تُذكّر بقدرة الله المطلقة وفي الوقت ذاته تُظهر رحمته ومغفرته. نزلت هذه الآية في سياق كان فيه بعض الناس قد خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جاؤوا بعد ذلك يقدمون الأعذار لتبرير خطئهم.
إن عِظَم الخطأ أو صِغَره يعتمد على مَن ارتُكِب الخطأ بحقه؛ فالمخالفة بحق الله، الذي هو مالك السماوات والأرض وكل شيء بيده، تُعتبر أعظم مخالفة. ومع ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يفتح باب المغفرة والتوبة لأنه غفور رحيم.
إذا كانت الأعذار التي قدّمها هؤلاء الأشخاص صادقة حقًا، لكان الله قد غفر لهم. ولكن أعذارهم وذرائعهم كانت كذبًا. لذلك، أظهر الله لهم طريقًا آخر للتكفير عن أفعالهم، وهو ما ورد في الآيات التالية.
مغفرة الأخطاء المستقبلية
عندما يقول الله تعالى: “كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا”، فإن الفعل “كان” هنا لا يدل على الزمن الماضي، لأن الله سبحانه منزهٌ عن الزمان، بل هو تعبير عن سنة إلهية ثابتة ودائمة.
⬅️ كونه “غفوراً”: تعني هذه الصفة أن سنة الله ليست فقط مغفرة الذنوب التي وقعت في الماضي، بل تمتد لتشمل المستقبل. فمن الممكن أن تحتوي أعمالنا المستقبلية على نقص أو خلل، ومغفرة الله لا تقتصر على ما مضى، بل تجبر وتُصلح نقص أعمالنا في المستقبل أيضاً. وهذا يتجلى في قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾، حيث يأخذ الله العمل الناقص ويجزيه كأحسن ما يكون.
⬅️ كونه “رحيماً”: وأما رحمته، فتتجلى في أنه سبحانه يهيئ لنا الأسباب والظروف التي تمكّننا من اكتساب الكمالات والارتقاء الروحي. فهو لا يغفر لنا فحسب، بل يفتح لنا أبواب النمو والتكامل برحمته.